قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
أي: ومن يجتنب معاصي الله ومحارمه فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل.
قال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه.
وقال الليث: حرمات الله ما لا يحل انتهاكها.
وقال تَعَالَى: {إنْ تَنْصُرُوْا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
أي: إن تنصروا دين الله، وتقوموا به ينصركم على عدوكم ويكف بأسهم.
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها السابق في باب العفو.
والمراد منه قولها: وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى.
«649» وعن أَبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لأَتَأخَّرُ عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا! فَمَا رَأيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ في مَوْعِظَةٍ قَطُّ أشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئذٍ؛ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ؛ فَإنَّ مِنْ وَرَائِهِ الكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الحَاجَةِ)). متفقٌ عَلَيْهِ.
في الحديث: جواز الغضب في التعليم للمصلحة إذا لم يترتب على ذلك مفسدة.
وفيه: استحباب التخفيف مع الإِتمام، وليس فيه حجة للنقارين، فإن التخفيف أمر نسبي راجع إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
«650» وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجهُهُ، وقال: ((يَا عائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللهِ!)). متفقٌ عَلَيْهِ.
((السَّهْوَةُ)): كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يدي البيت. وَ((القِرام)) بكسر القاف: سِتر رقيق، وَ((هَتَكَه)): أفْسَدَ الصُّورَةَ الَّتي فِيهِ.
التماثيل: جمع تمثال، وهي الشيء المصور سواء كان شاخصًا أو نقشًا، أو نسجًا، أو دهانًا.
قوله: ((الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللهِ))، أي يشبهون ما يضعونه بما يصنعه الله.
وفي الحديث: تحريم التصوير واستعماله.
«651» وعنها أن قرَيشًا أهَمَّهُمْ شَأنُ المَرأَةِ المخزومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فقالوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: مَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ ابنُ زَيْدٍ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟))! ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: ((إنَّمَا أَهْلَك مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ الله، لَوْ أَنَّ فَاطمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَهَا)). متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان.
وفيه: أن شرف الجاني لا يسقط الحد عنه، وأن أحكام الله تعالى يستوي فيها الشريف والوضيع.
«652» وعن أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً في القبلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ في وَجْهِهِ؛ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: ((إن أَحدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، وَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبيْنَ القِبلْةِ، فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ))، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: ((أَوْ يَفْعَلُ هكذا)). متفقٌ عَلَيْهِ.
وَالأمرُ بالبُصَاقِ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ هُوَ فِيما إِذَا كَانَ في غَيْرِ المسجِدِ، فَأمَّا في المسجدِ فَلا يَبصُقُ إلا في ثَوْبِهِ.
في هذا الحديث: النهي عن البصاق قبل القبلة، إذا كان يصلي لأنه يناجي ربه.