ذكر استعمال لزوم المداراة وترك المداهنة مع الناس
Audio ke 37
قال الإمام أبو حاتم ابن حبان البستي رحمه الله:
"أنبأنا محمد بن قتيبة اللخمي بعسقلان، وعمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج، قالا: حدثنا ابن واضح حدثنا يوسف بن أسباط حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مداراة الناس صدقة)).
قال أبو حاتم رضي الله عنه:
الواجب على العاقل أن يلزمَ المداراة مع مَن دفع إليه في العِشْرة من غير مقارفة المداهنة؛ إذ المداراة من المداري صدقةٌ له، والمداهنة من المداهن تكونُ خطيئةً عليه، والفصل بين المداراة والمداهنة، هو أن يجعل المرءُ وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة، من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخُلُق شابَهَ بعضَ ما كرِه الله منه في تخلُّقه، فهذا هو المداهنة؛ لأن عاقبتَها تصير إلى قل، ويلازم المداراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحوالِه، ومَن لم يدارِ الناس ملُّوه، كما أنشدني علي بن محمد البسامي:
دارِ من الناسِ ملالاتِهم ![]() مَن لم يُدارِ الناس ملُّوهُ ![]() ومكرمُ الناسِ حبيبٌ لهم ![]() مَن أكرم الناس أحبُّوهُ ![]() |
• أنبأنا محمد بن أحمد بن أبي عون المرياني: حدثنا أحمد بن منيع: حدثنا ابن المبارك عن الحسن بن عمرو عن منذر الثوري عن ابن الحنفية قال:
"ليس بحكيم مَن لم يعاشر بالمعروف مَن لا يجد من معاشرتِه بدًّا، حتى يأتيَه الله منه بالفرج أو المخرج".
قال أبو حاتم رضي الله عنه:
الواجب على العاقل أن يُداريَ الناس مداراةَ الرجل السابح في الماء الجاري، ومَن ذهب إلى عِشْرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه، ولم تصفُ له مودَّته؛ لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على ما هم عليه، إلا أن يكون مأثمًا، فإذا كانت حالة معصية، فلا سمع ولا طاعة، والبشر قد رُكِّب فيهم أهواء مختلفة، وطبائع متباينة، فكما يشق عليك ترك ما جُبِلت عليه، فكذلك يشقُّ على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادِهم سبيل، إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عن مخالفتهم في الأوقات.
أنشدني الأبرش:
قالت وهزَّت رأسَها وتضاحكت ![]() على الودِّ تُجفَى أم على العهد تُوصَلُ ![]() فقلتُ فلم أفعل فقالت تريده ![]() فقلت فلم أفعل فقالت ستفعلُ ![]() |
• أنبأنا ابن قحطبة حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا حرم قال: سمعت حبيب بن الشهيد يقول: سمعت الحسن يقول:
"يا بن آدم، اصحَبِ الناس بأي خلق شئت، يصحبوك عليه".
وأنشدني الكريزي:
تجنَّى عليَّ بما قد جنى ![]() ويغلظُ في القول إن لنتُ لَهْ ![]() ويسبقُ بالعذل لي ظلمًا ![]() كأنَّ الصواب له لا ليَهْ ![]() كما قال في مثل عالم ![]() خذ اللصَ بالذنب لا تغفلهْ ![]() |
• قال أبو حاتم رضي الله عنه:
"مَن التمس رضا جميع الناس التمس ما لا يُدرَك، ولكن يقصد العاقل رضا مَن لا يجد من معاشرته بدًّا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن مأثمًا، فإن ذلك من المداراة، وما أكثر مَن دارى فلم يسلم، فكيف توجد السلامة لمن لا يُدارِي؟!
أنشدني محمد بن عبدالله البغدادي:
يا ذا الذي أصبح لا والدَ ![]() له على الأرضِ ولا والدَهْ ![]() قد مات من قبلهما آدمُ ![]() فأي نفس بعده خالدَهْ ![]() إن جئتَ أرضًا أهلُها كلهم ![]() عُورٌ فغمِّض عينَك الواحِدَهْ ![]() |
• أنبأنا أبو يعلى حدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا معاذ بن سعد الأعور قال:
"كنتُ جالسًا عند عطاء بن أبي رباح، فحدَّث رجل بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه، قال: فغضب، وقال: ما هذه الطباع؟! إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم به، فأريه كأني لا أحسن منه شيئًا".
• أنبأنا محمد بن المهاجر حدثنا محمد بن محمد الصيداوي حدثنا حماد بن إسحاق عن المدائن قال: قال معاوية:
"لو أن بيني وبين الناس شعرة، ما انقطعت"، قيل: وكيف؟ قال: "لأنهم إن مدُّوها أرخيتها وإن أرخوها مددتُها".
قال أبو حاتم رضي الله عنه:
"مَن لم يعاشِرِ الناسَ على لزوم الإغضاء عمَّا يأتون من المكروه، وترك التوقع لِما يأتون من المحبوب؛ كان إلى تكدير عيشِه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء، ومَن لم يُدارِ صديق السوء كما يداري صديق الصدق، ليس بحازم، ولقد أحسن الذي يقول:
تجنَّب صديق السوء واصرمْ حبالَه ![]() وإن لم تجِدْ عنه محيصًا فدارِهْ ![]() وأحبِبْ حبيب الصدق واحذَرْ مراءَه ![]() تنَلْ منه صفوَ الودِّ ما لم تُمارِهْ ![]() |
• أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا إبراهيم الحوراني حدثنا أبو مسهر حدثنا سهل بن هاشم عن إبراهيم بن أدهم قال: قال أبو الدرداء لأم الدرداء: إذا غضبتُ فرضِّيني، وإذا غضبتِ رضَّيتُك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق.